المجلة | حــديث |عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من

/ﻪـ 

عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به . رواه أهل السنن وصححه ابن حبان وغيره.
لما كانت مفسدة اللواط من أعظم المفاسد كانت عقوبته في الدنيا والآخرة من أعظم العقوبات . وقد اختلف الناس : هل هو أغلظ عقوبة من الزنى ، أو الزنى أغلظ عقوبة منه ، أو عقوبتهما سواء ؟ على ثلاثة أقوال : الأول: أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزنى ، وعقوبة القتل على كل حال ، محصناً كان أو غير محصن . الثاني: أن عقوبته وعقوبة الزاني سواء . الثالث: أن عقوبته دون عقوبة الزاني ، وهي التعزير . قالوا: لأنه معصية من المعاصي لم يقدر الله ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها حدا مقدراً ، فكان فيه التعزير ، كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير . ولأنه وطء في محل لا تشتهيه الطباع ، بل ركَّبها الله تعالى على النفرة منه حتى الحيوان البهيم ، فلم يكن فيه حد كوطء الأتان وغيرها. قالوا: ولأنه لا يسمى زانيا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً ، فلا يدخل في النصوص الدالة على حد الزانين . قالوا: وقد رأينا قواعد الشريعة أن المعصية إذا كان الوازع منها طبيعياً اكتفى بذلك الوازع من الحد ، وإذ كان في الطباع تقاضيها جعل في الحد بحسب اقتضاء الطباع لها. ولهذا جعل الحد في الزنى والسرقة وشرب المسكر دون أكل الميتة والدم ولحم الخنزير . قالوا: وطرد هذا ، أنه لا حد في وطء البهيمة ولا الميتة ، وقد جبل الله سبحانه الطباع على النفرة من وطء الرجل رجلاً مثله أشد نفرة ، كما جبلها على النفرة من استدعاء الرجل من يطؤه بخلاف الزنى ، فإن الداعي فيه من الجانبين . قالوا : ولأن أحد النوعين إذا استمتع بشكله لم يجب عليه الحد ، كما إذا تساحقت المرأتان واستمتعت كل واحدة منهما بالأخرى . وقال أصحاب القول الأول _وهم جمهور الأمة، وحكاه غير واحد إجماعاً للصحابة_: ليس في المعاصي أعظم مفسدة من هذه المفسدة ، وهي تلي مفسدة الكفر ، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل. قالوا : ولم يبتل الله سبحانه بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحداً من العالمين ، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أحداً غيرهم ، وجمع عليهم من أنواع العقوبات بين الإهلاك ، وقلب ديارهم عليهم والخسف بهم ، ورجمهم بالحجارة من السماء ، فنكل بهم نكالاً لم ينكله أمة سواهم وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عملت عليها ، وتهرب الملائكة إلى أقطار السماوات والأرض إذا شاهدوها ، خشية نزول العذاب على أهلها ، فيصيبهم معهم ، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى ، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها ، وقتل المفعول به خير له من وطئه ، فإنه إذا وطئه قتله قتلاً لا ترجى الحياة معه بخلاف قتله فإنه مظلوم شهيد أو ربما ينتفع به في آخرته . قالوا: والدليل على هذا: أن الله سبحانه جعل حد القاتل إلى خبرة الولي إن شاء قتل وإن شاء عفا. وحتم قتل اللوطي حدا . كما أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ودلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها ، بل عليها عمل أصحابه وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم أجمعين وقد ثبت عن خالد بن الوليد (أنه وجد في بعض ضواحي العرب رجلاً ينكح كما تنكح المرأة . فكتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه . فاستشار أبو بكر الصديق الصحابة رضي الله عنهم . فكان علي بن أبي طالب أشدهم قولاً فيه . فقال : ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة ، وقد علمتم ما فعل الله بها . أرى أن يحرق بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد فحرقه) . وقال عبدالله بن عباس (ينظر أعلى بناء في القرية ، فيرمي اللوطي منها منكباً ، ثم يتبع بالحجارة). وأخذ عبدالله بن عباس هذا الحد من عقوبة قوم لوط. وقالوا : وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعن الله من عمل عمل قوم لوط ، لعن الله من عمل عمل قوم لوط ، لعن الله من عمل عمل قوم لوط ، ولم يجئ عنه صلى الله عليه وسلم لعنه الزاني ثلاث مرات في حديث واحد ، وقد لعن جماعة من أهل الكبائر ، فلم يتجاوز بهم في اللعن مرة واحدة ، وكرر لعن اللوطية ، وأكده ثلاث مرات ، وأطبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتله ، لم يختلف فيه منهم رجلان، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله ، فظن الناس أن ذلك اختلاف منهم في قتله ، فحكاها مسألة نزاع بين الصحابة ، وهي بينهم مسألة إجماع لا مسألة نزاع . والله أعلم.

المزيد